كبريائي.. دمرحياتي
لم يكن في حسباني أن أرى بأم عيني، ما شاهدتهوأنا في كامل وعيي ويقظتي
وقواي العقلية، ولكن أحياناً يحدث أن يرى المرءما لا يسره، ولا يستطيع أن يفعل
شيئاً خصوصاً إذا كان هو المتسبب في ذلك.
ذات مرة وبينما كنا عائدين من جولة ترفيهية،زوجي وأنا، وابنتنا الصغيرة (رشا) والخادمة الآسيوية (الهادئة) وكانت السيارة تتهادى عبر الطريق الخالي من الحركة إلا في فتراتمتقطعة.. حدث خلاف في الرأي حول أحد الموضوعات التي تهمنا، واحتدالكلام بيننا وتعصب كلانا لرأيه، رفض التنازل فهو رجل له شخصيتهوليس من السهل أن ينثني، وأنا اعتبرت المسألة تتعلق بالكرامة وعزةالنفس، وقلت طالما أنا على حق.. فلن أرجع عن رأيي.
نصف مسافة الطريق تقريباً، أمضيناها في صمترهيب، كأننا ركاب في أحد القطارات الأوروبية، حيث لا يعرف أحدالراكب الذي بجواره، ولا حديث ولا مؤانسة، ومرت تلك الدقائق ثقيلةومملة وقاتلة، حتى وصلنا إلى منزلنا، وبعد أن أدخلنا ما معنا منأمتعة دخل كل منا غرفة، ولم نجلس سوياً.. كان يتوقع أن أعتذر له،وأتودد إليه، وأذهب إليه في الغرفة التي بقي فيها كنوع من الترضيةوتطييب الخاطر. لكنني لم أفعل شيئاً من ذلك.. صار لا يكلمني ولايقترب من غرفتنا التي نقيم فيها سوياً، ولا يطلب أكلاً ولا شرباًولا سلام بيننا، تأزمت الأمور ووصلت حد القطيعة، صار يذهب إلىالمطاعم ليتناول الوجبات، ويعود إلى المنزل ليقضي تلك السويعات فيغرفة خاصة به، حتى إذا طل الصباح نهض وأعد نفسه للعمل.. وإذا جاءومعه بعض الأغراض أو المواد التموينية، ناولها للخادمة لتضعها فيأماكنها المحددة.
كان يتحرق من الداخل ويتألم ولكنه لا يبوحبذلك.. حيث كان يأمل أن آتيه سعياً أو (حبواً) لكنني (للأسف) لمأفعل ذلك.. كنت مثله أيضاً.. أحترق داخلياً وأتألم.. وربما أكثرمنه، لكن لم تبدر مني كلمة تعبر عن فقدي له بجواري واحتياجي له فيكل الأوقات، وعذابي النفسي لابتعاده عنا.. وكنت أكتم ذلك أشد مايكون الكتمان.. لكن الكبرياء والغرور.. جعلني أتجاهل كل معاناتيوأصر على ألا أنكسر له، وأقول في نفسي: طالما أراد ذلك فليكن له ماأراد، ولا شك أنه كان يكظم غيظه، ويعتصر ألمه، ويداري معاناته،ولكن ماذا كان يجري في الخفاء؟ الله وحده أعلم بذلك..
لم يتراجع أحدنا ويتنازل للآخر، مرت الأيام،والقطيعة قائمة، ومتفاقمة، والأثر النفسي يفيض، ويبدو أن حالتهكانت أسوأ مما أتصور، خصوصاً أنه كان يتوقع ألا تطول مدة القطيعة،وألا أعامله بتلك القسوة.
خلال هذه الفترة، كانت علاقته بالخادمة أكثرمما سبق حيث كانت هي التي تعد له مستلزماته، وتجهز ملابسه وتستلممنه الأغراض المحضرة من السوق، وتبلغه بالطلبات الناقصة في البيت. فكان التواصل معها تمليه ظروف عدم التواصل بيننا.. لكن هذه العلاقة – فيما يبدو – لم تقف عند حدود الضروريات وقضاء الحاجات.. بل تعدتذلك ووصلت إلى مستوى الزيارات والمحادثات، وقد أحسست بذلك قبل أنأراه بأم عيني.
ذات ليلة استيقظت في ساعة متأخرة، وسمعت صوتحركة مشي داخل البيت، وخرجت أتتبعه، وقبل أن أعرف عنه شيئاً سمعتباب غرفة الخادمة يغلق بعنف.. اتجهت نحوه وقلبي يخفق، فوصلت عندهوطرقت الباب فإذا هي مستيقظة، مرتبكة.. قدمت من الغرفة التي ينامفيها زوجي.. وبتوجيه الاتهام لها والضغط عليها انهارت وأقرت بأنهاكانت معه على اختلاء.
وفيما بعد عرفت أنها كانت تزوده بالخمر عبر طرفثالث بواسطة أحد السائقين من بني جلدتها.. فاكتشفت أن الضغط النفسيالذي تعرض له، وأن وجود فرصة لتواصله مع الخادمة كانا سبباً في أنيضعف أمامها وينحرف في الهلاك.. لا أخفيكم انهارت الثقة بيننا بعدأن انكشف المستور، وتم القبض على الخادمة والشبكة التي تتعامل معهامن أبناء جلدتها.
المجرم الخائن.. الذي يمكن أن يطلق عليه (الضحية) أصبح هائماً.. تعيساً، يعيش بمفرده في شقته، ومبلغ علميأن ظروفه العملية ساءت، وكذلك حالته النفسية، صار كثير الغياب عنالعمل وكثير السفر، والانزواء بعيداً عن الأهل والأصدقاء.
أما أنا فقد عدت إلى بيت أهلي، أحمل (رشا) الصغيرة وأحمل هماً في رأسي، وهماً في أحشائي، وفقدت زوجي ولم أرضنفسي، وكان بالإمكان معالجة الأمر في مراحله الأولى.. ولكن ذلك لميحدث.. وبسبب عنجهتي وكبريائي.. أضعت زوجي ومستقبل ابنتي وكذلكالمجهول الذي حملته في بطني.. والذي صار اليوم (الشاب ف). أما الحدالفاصل في العلاقة مع أبيهما.. فكانت علاقته بالخادمة فأصبحت بعدذلك كل علاقاته الاجتماعية سيئة، وتجاربه فاشلة، فلم ينجح فيالزوجة الثانية، ولا الثالثة ولا في حياته العملية..
إنها مأساة إنسانية لا أبرئ نفسي من المشاركةفي صنعها، وإزكاء النار التي احترق فيها زوجي السابق كإنسان!!.
لم يكن في حسباني أن أرى بأم عيني، ما شاهدتهوأنا في كامل وعيي ويقظتي
وقواي العقلية، ولكن أحياناً يحدث أن يرى المرءما لا يسره، ولا يستطيع أن يفعل
شيئاً خصوصاً إذا كان هو المتسبب في ذلك.
ذات مرة وبينما كنا عائدين من جولة ترفيهية،زوجي وأنا، وابنتنا الصغيرة (رشا) والخادمة الآسيوية (الهادئة) وكانت السيارة تتهادى عبر الطريق الخالي من الحركة إلا في فتراتمتقطعة.. حدث خلاف في الرأي حول أحد الموضوعات التي تهمنا، واحتدالكلام بيننا وتعصب كلانا لرأيه، رفض التنازل فهو رجل له شخصيتهوليس من السهل أن ينثني، وأنا اعتبرت المسألة تتعلق بالكرامة وعزةالنفس، وقلت طالما أنا على حق.. فلن أرجع عن رأيي.
نصف مسافة الطريق تقريباً، أمضيناها في صمترهيب، كأننا ركاب في أحد القطارات الأوروبية، حيث لا يعرف أحدالراكب الذي بجواره، ولا حديث ولا مؤانسة، ومرت تلك الدقائق ثقيلةومملة وقاتلة، حتى وصلنا إلى منزلنا، وبعد أن أدخلنا ما معنا منأمتعة دخل كل منا غرفة، ولم نجلس سوياً.. كان يتوقع أن أعتذر له،وأتودد إليه، وأذهب إليه في الغرفة التي بقي فيها كنوع من الترضيةوتطييب الخاطر. لكنني لم أفعل شيئاً من ذلك.. صار لا يكلمني ولايقترب من غرفتنا التي نقيم فيها سوياً، ولا يطلب أكلاً ولا شرباًولا سلام بيننا، تأزمت الأمور ووصلت حد القطيعة، صار يذهب إلىالمطاعم ليتناول الوجبات، ويعود إلى المنزل ليقضي تلك السويعات فيغرفة خاصة به، حتى إذا طل الصباح نهض وأعد نفسه للعمل.. وإذا جاءومعه بعض الأغراض أو المواد التموينية، ناولها للخادمة لتضعها فيأماكنها المحددة.
كان يتحرق من الداخل ويتألم ولكنه لا يبوحبذلك.. حيث كان يأمل أن آتيه سعياً أو (حبواً) لكنني (للأسف) لمأفعل ذلك.. كنت مثله أيضاً.. أحترق داخلياً وأتألم.. وربما أكثرمنه، لكن لم تبدر مني كلمة تعبر عن فقدي له بجواري واحتياجي له فيكل الأوقات، وعذابي النفسي لابتعاده عنا.. وكنت أكتم ذلك أشد مايكون الكتمان.. لكن الكبرياء والغرور.. جعلني أتجاهل كل معاناتيوأصر على ألا أنكسر له، وأقول في نفسي: طالما أراد ذلك فليكن له ماأراد، ولا شك أنه كان يكظم غيظه، ويعتصر ألمه، ويداري معاناته،ولكن ماذا كان يجري في الخفاء؟ الله وحده أعلم بذلك..
لم يتراجع أحدنا ويتنازل للآخر، مرت الأيام،والقطيعة قائمة، ومتفاقمة، والأثر النفسي يفيض، ويبدو أن حالتهكانت أسوأ مما أتصور، خصوصاً أنه كان يتوقع ألا تطول مدة القطيعة،وألا أعامله بتلك القسوة.
خلال هذه الفترة، كانت علاقته بالخادمة أكثرمما سبق حيث كانت هي التي تعد له مستلزماته، وتجهز ملابسه وتستلممنه الأغراض المحضرة من السوق، وتبلغه بالطلبات الناقصة في البيت. فكان التواصل معها تمليه ظروف عدم التواصل بيننا.. لكن هذه العلاقة – فيما يبدو – لم تقف عند حدود الضروريات وقضاء الحاجات.. بل تعدتذلك ووصلت إلى مستوى الزيارات والمحادثات، وقد أحسست بذلك قبل أنأراه بأم عيني.
ذات ليلة استيقظت في ساعة متأخرة، وسمعت صوتحركة مشي داخل البيت، وخرجت أتتبعه، وقبل أن أعرف عنه شيئاً سمعتباب غرفة الخادمة يغلق بعنف.. اتجهت نحوه وقلبي يخفق، فوصلت عندهوطرقت الباب فإذا هي مستيقظة، مرتبكة.. قدمت من الغرفة التي ينامفيها زوجي.. وبتوجيه الاتهام لها والضغط عليها انهارت وأقرت بأنهاكانت معه على اختلاء.
وفيما بعد عرفت أنها كانت تزوده بالخمر عبر طرفثالث بواسطة أحد السائقين من بني جلدتها.. فاكتشفت أن الضغط النفسيالذي تعرض له، وأن وجود فرصة لتواصله مع الخادمة كانا سبباً في أنيضعف أمامها وينحرف في الهلاك.. لا أخفيكم انهارت الثقة بيننا بعدأن انكشف المستور، وتم القبض على الخادمة والشبكة التي تتعامل معهامن أبناء جلدتها.
المجرم الخائن.. الذي يمكن أن يطلق عليه (الضحية) أصبح هائماً.. تعيساً، يعيش بمفرده في شقته، ومبلغ علميأن ظروفه العملية ساءت، وكذلك حالته النفسية، صار كثير الغياب عنالعمل وكثير السفر، والانزواء بعيداً عن الأهل والأصدقاء.
أما أنا فقد عدت إلى بيت أهلي، أحمل (رشا) الصغيرة وأحمل هماً في رأسي، وهماً في أحشائي، وفقدت زوجي ولم أرضنفسي، وكان بالإمكان معالجة الأمر في مراحله الأولى.. ولكن ذلك لميحدث.. وبسبب عنجهتي وكبريائي.. أضعت زوجي ومستقبل ابنتي وكذلكالمجهول الذي حملته في بطني.. والذي صار اليوم (الشاب ف). أما الحدالفاصل في العلاقة مع أبيهما.. فكانت علاقته بالخادمة فأصبحت بعدذلك كل علاقاته الاجتماعية سيئة، وتجاربه فاشلة، فلم ينجح فيالزوجة الثانية، ولا الثالثة ولا في حياته العملية..
إنها مأساة إنسانية لا أبرئ نفسي من المشاركةفي صنعها، وإزكاء النار التي احترق فيها زوجي السابق كإنسان!!.